في يومهم الدولي.. هل أنصفت الدول العربية الأشخاص ذوي الإعاقة؟

في يومهم الدولي.. هل أنصفت الدول العربية الأشخاص ذوي الإعاقة؟
اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة- صورة تعبيرية

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي أحرزته العديد من الدول العربية في السنوات الأخيرة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، يبقى السؤال الرئيسي حول مدى إنصاف هذه الدول لذوي الاحتياجات الخاصة قائمًا، لا سيما مع مرور الزمن.

ومع الاحتفال باليوم الدولي لذوي الإعاقة والذي يوافق 3 ديسمبر من كل عام تشتد الحاجة للوقوف على حقيقة الوضع، حيث يظل هذا اليوم الدولي لذوي الإعاقة، بمثابة فرصة مهمة للتفكير في الإنجازات التي تحققت، لكنه يحمل أيضًا تحديات كبيرة تبرز في صعوبة تحقيق المساواة الكاملة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وبقية أفراد المجتمع.

على المستوى القانوني والتشريعي، هناك مجموعة من القوانين التي تم سنها في بعض الدول العربية لحماية حقوق ذوي الإعاقة، والتي حققت تقدما ملموسا لكنه يحتاج للمزيد من التحسينات، فمثلا في عام 2010، صادقت دولة الإمارات على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي خطوة مهمة في إطار تعزيز حقوق هذه الفئة من المجتمع، حيث استندت هذه المصادقة إلى القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 وتعديلاته بموجب القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 2009، الذي يهدف إلى توفير الحماية القانونية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم في مختلف المجالات الحياتية.

وفي عام 2017، أطلقت دولة الإمارات السياسة الوطنية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، تحت إشراف وزارة تنمية المجتمع، وتركز هذه السياسة على تعزيز التكامل الاجتماعي للأشخاص ذوي الإعاقة، بهدف تحقيق شمولية حقيقية في المجتمع، وتعكس هذه السياسة رؤية دولة الإمارات الاجتماعية، التي ترى أن الاستثمار في الأفراد هو استثمار في التنمية المستدامة والشاملة للمجتمع، مما يعزز من بناء بيئة داعمة لجميع الأفراد بغض النظر عن قدراتهم.

وفي مصر، تم إصدار "قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" في عام 2018، والذي يعد خطوة متقدمة نحو ضمان حقوق هذه الفئة، وينص القانون على “ضمان الحق في التعليم والعمل”، ويشمل تدابير لتهيئة المرافق العامة، كما ينص على “تخصيص نسبة من المناصب الحكومية لذوي الإعاقة”.

وفي السعودية، تم إدخال العديد من الإصلاحات القانونية خلال السنوات الأخيرة من أجل تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مثل قانون "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" الذي أقره مجلس الشورى السعودي في عام 2017، ويشمل بنودًا تتعلق بالتوظيف والتعليم والخدمات الصحية.

تحسين الخدمات الصحية

وعلى مستوى الرعاية الصحية، رغم أن بعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة قد قدمت برامج تحسين الخدمات الصحية الموجهة للأشخاص ذوي الإعاقة، فإن واقع خدمات الرعاية الصحية في العديد من الدول العربية لا يزال بعيدًا عن تلبية احتياجاتهم بشكل كافٍ. 

وتشير الإحصائيات إلى أن 25% من الأشخاص ذوي الإعاقة في بعض الدول العربية، مثل لبنان وسوريا، لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الطبية اللازمة بسبب نقص المرافق المتخصصة أو صعوبة الوصول إليها جغرافيًا.

وبحسب تقرير "منظمة الصحة العالمية" لعام 2021، يعاني ما يقارب 15% من الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم العربي من صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية، وذلك بسبب قلة المرافق الصحية المتخصصة أو نقص الموارد.

نسبة بطالة مرتفعة

وفي مجال العمل، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا ففي معظم الدول العربية، لا تزال نسبة البطالة بين الأشخاص ذوي الإعاقة مرتفعة، وفقًا لدراسة حديثة من "منظمة العمل الدولية" في 2022، فإن نسبة البطالة بين هذه الفئة تتراوح بين 30% و40% في غالبية الدول العربية، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالنسب العالمية هذا التفاوت الكبير يعود إلى عدة عوامل، من بينها محدودية التوظيف الموجه لهذه الفئة، وعدم وجود برامج تدريبية كافية تلائم احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.

ويمكن ملاحظة أن هناك حاجة ماسة لسن قوانين تضمن توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاعات العامة والخاصة وتدريبهم على المهارات التي تتماشى مع قدراتهم.

ويبقى دور مؤسسات حقوق الإنسان في الدفاع عن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية بالغ الأهمية، إذ تسهم هذه المؤسسات في مراقبة الوضع العام لهذه الفئة والدعوة لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها. 

المشاركة السياسية والاجتماعية

وإذا انتقلنا إلى مناقشة قضية المشاركة السياسية والاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية، نجد أن هذه المشاركة تظل محدودة للغاية في بعض البلدان مثل تونس، حيث إن هناك بعض التقدم في ما يتعلق بالتمثيل البرلماني لهذه الفئة، لكنه يحتاج للمزيد من التحسين.

ففي انتخابات 2019، تم تخصيص مقاعد خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة في البرلمان التونسي، وهو ما يعكس خطوة إيجابية نحو إدماجهم في الحياة السياسية. ولكن على الرغم من هذه المبادرة، لا تزال الدول الأخرى تعاني من نقص في تمثيل هذه الفئة في العملية السياسية، ففي مصر على سبيل المثال رغم تخصيص 5% من مقاعد البرلمان لذوي الإعاقة في انتخابات 2020، فإن المشاركة الفعلية كانت ضعيفة.

ويرى حقوقيون أنه على الرغم من أن بعض الدول العربية قد قطعت شوطًا في تحسين ظروف الأشخاص ذوي الإعاقة وتوسيع نطاق حقوقهم، فإن هناك العديد من الفجوات التي لا تزال بحاجة إلى معالجة، ففيما يتعلق بالتشريعات، يبقى التنفيذ الفعلي لهذه القوانين هو التحدي الأبرز، حيث تظل بعض المناطق والقطاعات بحاجة ماسة إلى توفير آليات فعلية تضمن تطبيق الحقوق على أرض الواقع، أما في مجالات التعليم والعمل والرعاية الصحية، لا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة يواجهون بعض التحديات في الحصول على الفرص المتساوية. 

إنصاف ذوي الإعاقة

وقالت الحقوقية الأردنية، هالة عهد، إن الدول العربية لم تُنصف الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كامل كما تقتضي المعايير الدولية لحقوق الإنسان، فحتى مع وجود بعض التشريعات التي تضمن حقوقهم وتحدد التزامات الحكومات في هذا الصدد، تبقى هذه القوانين في الغالب غير مفعلّة بالشكل الكافي، ما يعكس فجوة كبيرة بين الممارسة القانونية والواقع الميداني، هذا يشير إلى أن الدول العربية بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لتطبيق هذه الحقوق بما يتوافق مع معايير اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدقت عليها معظم الدول العربية.

وأضافت عهد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن من أبرز المبادئ التي تمثل جوهر حقوق الإنسان هو مبدأ المساواة وعدم التمييز وفقًا لهذا المبدأ، يجب أن تتمتع جميع الفئات في المجتمع، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة، بحقوق متساوية في كل مناحي الحياة، ومع ذلك، لا يزال هناك تمييز صارخ ضدهم في بعض الدول العربية على مستويات متعددة.

وتابعت: يظل الوصول إلى التعليم أحد أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم العربي، على الرغم من وجود بعض الدول التي تبذل جهودًا لتحسين الوضع من خلال تخصيص برامج تعليمية خاصة أو دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس العامة، فإن البنية التحتية التعليمية في كثير من الدول لا تزال غير مهيأة بشكل كافٍ لاستقبال هذه الفئة، وهناك نقص في التدريب المناسب للمعلمين بشأن كيفية التعامل مع الطلاب ذوي الإعاقة، مما يجعل التوجه نحو تعليم شامل وعادل أمرًا بعيد المنال في بعض الأماكن.

واسترسلت: أظهرت الدراسات أن الخدمات الصحية المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة تظل قاصرة في كثير من البلدان العربية، فحتى في حال وجود الخدمات، فهي غالبًا ما تكون غير متكاملة أو موجهة بشكل غير صحيح نحو احتياجات هذه الفئة، وتكمن المشكلة في نقص التخصصات الطبية المدربة على التعامل مع الحالات الخاصة، وكذلك في غياب سياسات واضحة لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول للعلاج والرعاية اللازمة دون عوائق، مما يضع هؤلاء الأفراد في موقف حرج، حيث تظل صحتهم مهددة نتيجة للإقصاء الذي يعانون منه.

وشددت عهد أن تمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في المجالس التشريعية والحكومات العربية لا تزال ضعيفة، حتى عندما يتم تمثيلهم، يكون ذلك في الغالب تمثيلًا رمزيًا يفتقر إلى التأثير الفعلي في صنع القرارات، وهذا التهميش يعكس عدم احترام الحقوق السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كافٍ، وهي حقوق منصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأتمت: يشير ذلك إلى حاجة ماسة إلى تحسين الأداء التشريعي والإداري لضمان تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المجالات، ويجب على الحكومات العربية أن تلتزم بتطوير قوانين شاملة تضمن عدم التمييز وتعزز من المشاركة الفاعلة لهذه الفئة في المجتمع، وهذا يتطلب تعديلات جوهرية في السياسات الوطنية، مع تبني برامج تعليمية، صحية، وموارد دعم اجتماعي تتناسب مع احتياجات هذه الفئة.

واقعٌ قانونيٌ بحاجة للتحديث

وقال الخبير القانوني، فهمي قناوي، إن الواقع يشير إلى وجود فجوة بين التزامات بعض الدول على الورق والتنفيذ الفعلي على الأرض، حيث إن بعض الدول العربية لا تزال في مرحلة متأخرة على صعيد تطبيق هذه الحقوق، وفي ما يخص قوانين العمل فإن بعض الدول العربية أدرجت نصوصًا تتيح للأشخاص ذوي الإعاقة فرصة المشاركة في سوق العمل، لكن التطبيق الفعلي لهذه القوانين يظل قاصرًا.

وأضاف قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه وفقًا للأرقام التي تشير إلى نسب البطالة المرتفعة بين ذوي الإعاقة في معظم الدول العربية، فإن فرص العمل المتاحة لهم في القطاعين العام والخاص محدودة، ولا تتماشى مع متطلبات الحياة المستقلة التي ينص عليها قانون حقوق الإنسان، حتى عندما يتم تخصيص وظائف لذوي الإعاقة، فإن هذه الوظائف غالبًا ما تكون في مجالات محدودة، ولا تشمل كل التخصصات التي تتيح لهم أداء دور فاعل في الاقتصاد والمجتمع.

وتابع، أنه على الرغم من وجود بعض القوانين التي تنص على دمج ذوي الإعاقة في المؤسسات التعليمية، فإن هذه القوانين تظل غير مكتملة في تنفيذهما، حيث تشير التقارير الدولية إلى أن عددًا قليلًا جدًا من الأطفال ذوي الإعاقة يتم دمجهم في مدارس التعليم العام، بينما تقتصر معظم المدارس على فئات معينة من ذوي الإعاقة مثل الذين يعانون من إعاقات حركية، في حين يتم إهمال الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية والسمعية، كما أن الكثير من الأنظمة الصحية في الدول العربية تفتقر إلى الموارد المتخصصة أو حتى الكوادر الطبية المدربة للتعامل مع حالات الإعاقة المختلفة.

وأضاف “قناوي”، أن الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق النائية يبقى مشكلة تؤثر بشكل كبير على ذوي الإعاقة، مما يعزز الهوة بين الحق القانوني والواقع المعيشي، وعلى الرغم من وجود بعض المحاولات لتوفير تمثيل رمزي للأشخاص ذوي الإعاقة في المجالس التشريعية أو على مستوى السلطات المحلية، فإن هذه المحاولات تظل قاصرة عن تمكين هؤلاء الأفراد من التأثير الفعلي في صنع القرارات السياسية أو الاجتماعية، وتعكس هذه الحالة فجوة في الفهم القانوني لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي يجب أن تشمل تمثيلًا فعليًا يتيح لهم التأثير في القضايا المتعلقة بحياتهم اليومية.

وشدد على أنه، بناءً على هذه الوقائع، يتضح أن الدول العربية بحاجة إلى مراجعة لقوانينها الخاصة بذوي الإعاقة، وينبغي تحديث هذه التشريعات بما يتوافق مع المعايير الدولية التي وضعتها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويجب أن تتضمن آليات تنفيذ فعّالة تضمن حصول هذه الفئة على كل حقوقها بشكل كامل، ويتطلب ذلك التنسيق بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وضمان التدريب المستمر للأفراد المكلفين بتطبيق هذه القوانين، بما يتماشى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

وأتم: التحدي الأكبر يكمن في تطوير التشريعات بشكل يجعلها أكثر انسجامًا مع الاحتياجات الفعلية للأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية. الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك خطوات جادة لتوفير بيئة قانونية تُشجع على الدمج الشامل في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية، عبر استراتيجيات واضحة تشمل توفير التعليم الجيد، وفرص العمل اللائقة، والرعاية الصحية المتخصصة، والمشاركة الفعّالة في الحياة العامة.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية